تلعب الكلمات دورًا عميقًا في تشكيل نفسية الطفل، فهي ليست مجرد وسيلة تواصل عابرة، بل رسائل تُخزَّن في داخله وتؤثر في نظرته إلى نفسه والعالم من حوله. فالطفل لا يملك بعد القدرة على التمييز بين المزاح والجد، ولا بين الغضب المؤقت والحقيقة الدائمة، لذلك يستقبل الكلمات بصدق كامل ويمنحها وزنًا أكبر مما نتوقع.
عندما يسمع الطفل كلمات تشجيع وتقدير، يشعر بالأمان والثقة. كلمة بسيطة مثل “أحسنت” أو “أنا فخور بك” قد تزرع داخله شعورًا بالقيمة، وتدفعه للمحاولة من جديد حتى بعد الخطأ. هذه الكلمات الإيجابية لا تبني السلوك فقط، بل تبني الصورة الداخلية التي يحملها الطفل عن نفسه.
في المقابل، الكلمات القاسية أو الجارحة قد تترك أثرًا نفسيًا طويل الأمد. التوبيخ المستمر، السخرية، أو المقارنة بالآخرين تجعل الطفل يشك في قدراته، وقد تؤدي إلى الخوف، أو الانسحاب، أو فقدان الثقة بالنفس. الطفل لا ينسى الكلمات بسهولة، حتى إن بدا صامتًا أو متجاوزًا للموقف.
الكلمات المتكررة تتحول مع الوقت إلى قناعات. فعندما يُقال للطفل إنه “فاشل” أو “عنيد” أو “لا يفهم”، قد يبدأ في تصديق هذه الصفات، ويتصرف على أساسها. هنا لا تكون المشكلة في السلوك فقط، بل في الرسالة التي استقرت داخله دون وعي.
كما أن نبرة الصوت لا تقل أهمية عن الكلمة نفسها. فالكلمة الطيبة إذا قيلت بحدّة قد تفقد معناها، والكلمة القاسية إذا قيلت بهدوء قد تُخفف حدّتها. الطفل يتأثر بما يسمعه وبالطريقة التي يسمعه بها، لأن الشعور يصل إليه قبل المعنى.
التربية الواعية لا تعني منع التوجيه أو التصحيح، بل تعني اختيار الكلمات بعناية. يمكن تصحيح الخطأ دون إهانة، ووضع الحدود دون تهديد. عندما نشرح للطفل سبب الخطأ ونوجّهه بلغة محترمة، نعلّمه المسؤولية بدل الخوف.
من المهم أيضًا أن يسمع الطفل كلمات تطمئنه في لحظات الضعف. فالدعم اللفظي وقت الفشل أو الحزن يعلّمه أن الخطأ لا يُنقص من قيمته، وأن المشاعر مقبولة ويمكن التعبير عنها. هذه الرسائل اللفظية تبني لديه توازنًا نفسيًا صحيًا.
مع مرور الوقت، تصبح كلمات الوالدين أو المربين صوتًا داخليًا يرافق الطفل حتى في غيابهم. فإن كانت الكلمات داعمة، أصبح هذا الصوت مشجعًا، وإن كانت قاسية، تحوّل إلى نقد داخلي دائم. لذلك، فإن ما نقوله اليوم قد يرافق الطفل سنوات طويلة دون أن نشعر.
0 comments:
إرسال تعليق