يظن كثير من الآباء أن الطفل الهادئ هو طفل مرتاح نفسيًا وسعيد، لكن هذا الاعتقاد ليس صحيحًا دائمًا. فالهدوء قد يكون أحيانًا علامة على الرضا، وقد يكون في أحيان أخرى إشارة صامتة إلى مشاعر مكبوتة أو احتياجات غير مُلبّاة. لذلك، من المهم أن نفهم الفرق بين الهدوء الصحي والهدوء الذي يخفي خلفه تعبًا نفسيًا.
بعض الأطفال يختارون الصمت بدل التعبير، خاصة إذا اعتادوا على عدم الاستماع إليهم أو على التقليل من مشاعرهم. هذا النوع من الهدوء لا يعني السعادة، بل قد يكون نتيجة خوف، أو حزن، أو رغبة في تجنب العقاب أو اللوم. الطفل هنا يتعلّم أن الكتمان أكثر أمانًا من الكلام.
الطفل السعيد لا يُقاس فقط بسلوكه الظاهر، بل بقدرته على التعبير عن مشاعره بحرية. الطفل الذي يضحك، يغضب، يسأل، ويعبّر عن رأيه هو طفل يشعر بالأمان. أما الطفل الذي لا يشتكي ولا يعترض أبدًا، فقد يكون بحاجة إلى اهتمام أكبر مما نظن.
في كثير من البيوت، يُكافأ الطفل الهادئ ويُقارن بغيره من الأطفال بحجة أنه “مؤدب” أو “عاقل”، دون الانتباه إلى ما يشعر به داخليًا. هذه المقارنات قد تدفع الطفل إلى كبت مشاعره للحفاظ على صورة الطفل المثالي، وهو ما قد يؤثر لاحقًا على ثقته بنفسه وصحته النفسية.
من الناحية التربوية، من المهم تشجيع الطفل على الكلام والتعبير، حتى عن المشاعر السلبية. الاستماع للطفل دون سخرية أو تقليل يساعده على بناء توازن نفسي صحي. عندما يشعر الطفل أن مشاعره مقبولة، يصبح أكثر استقرارًا وأقل عرضة للقلق أو الانسحاب.
كما أن الهدوء الدائم قد يكون علامة على ضغط نفسي، خاصة إذا ترافق مع تغيّر في الشهية، النوم، أو الرغبة في اللعب. في هذه الحالة، يحتاج الطفل إلى احتواء واهتمام حقيقي، وليس فقط الثناء على هدوئه.
التربية الإيجابية لا تهدف إلى صنع طفل صامت، بل إلى تربية طفل متوازن. الطفل المتوازن هو من يعرف متى يتكلم ومتى يصمت، ويشعر بالأمان في الحالتين. وهذا لا يتحقق إلا في بيئة تحترم المشاعر وتشجّع الحوار داخل الأسرة.
ليس كل طفل هادئ طفلًا سعيدًا. السعادة الحقيقية تظهر في الشعور بالأمان، والقدرة على التعبير، والثقة في من حوله. وعندما نمنح أطفالنا مساحة للكلام والفهم، نساعدهم على النمو النفسي السليم، بدل الاكتفاء بالحكم على سلوكهم الظاهر.

0 comments:
إرسال تعليق