الاثنين، 22 ديسمبر 2025

حين نفهم أنفسنا… نهدأ

 



كثيرًا ما نبحث عن الهدوء في الخارج، في الابتعاد عن الناس، أو تغيير المكان، أو انتظار أن تهدأ الظروف من حولنا. لكننا نكتشف مع الوقت أن الضجيج الحقيقي ليس دائمًا خارجنا، بل في داخلنا. وحين نفهم أنفسنا بعمق، يبدأ هذا الضجيج في التراجع، ويحلّ مكانه شعور بالهدوء والاتزان.

فهم الذات يعني أن ننتبه لما نشعر به دون إنكار أو تهويل. أن نعرف سبب غضبنا، ونتقبّل حزننا، ونعترف بتعبنا بدل الهروب منه. كثير من التوتر الذي نعيشه ناتج عن صراع داخلي، نحاول فيه أن نكون شيئًا لا يشبهنا، أو نرضي الآخرين على حساب أنفسنا.

عندما لا نفهم أنفسنا، تصبح مشاعرنا عبئًا. نغضب دون أن نعرف لماذا، ونتوتر من أشياء بسيطة، ونشعر بثقل لا نعرف مصدره. لكن لحظة الفهم تغيّر كل شيء. حين نسأل أنفسنا بصدق: ما الذي يزعجني؟ ما الذي أحتاجه فعلًا؟ نبدأ في استعادة السيطرة على مشاعرنا.

فهم الذات لا يعني تبرير الأخطاء، بل وعي بها. الإنسان الواعي بأخطائه يكون أهدأ، لأنه لم يعد في صراع مع نفسه. يقبل أنه غير كامل، وأن الخطأ جزء من التجربة الإنسانية، فيخفّ الضغط الداخلي الذي يرهقه.

كما أن الفهم يمنحنا القدرة على وضع حدود صحية. حين نعرف ما يؤذينا، نتعلّم أن نبتعد عنه دون شعور بالذنب. وحين نعرف ما يناسبنا، نقترب منه بثقة. هذه الحدود تقلّل من التوتر وتزيد من الإحساس بالراحة النفسية.

الهدوء الذي يأتي من فهم الذات ليس هدوءًا مؤقتًا، بل حالة داخلية مستقرة. هو هدوء نابع من المصالحة مع النفس، لا من غياب المشاكل. فالمشاكل قد تستمر، لكن طريقة تعاملنا معها تتغير عندما نفهم أنفسنا.

ومع الوقت، ينعكس هذا الهدوء على علاقاتنا وقراراتنا. نصبح أقل اندفاعًا، وأكثر وعيًا، وأقرب إلى أنفسنا. لا لأن الحياة أصبحت أسهل، بل لأننا أصبحنا نفهم أنفسنا بشكل أفضل.

خاتمة

حين نفهم أنفسنا، نهدأ لأننا نتوقف عن محاربتها. نمنحها حقها في التعب، وحقها في الخطأ، وحقها في أن تكون كما هي. هذا الفهم هو بداية السلام الداخلي، وهو أساس أي تطور حقيقي ونضج نفسي.


التالي
This is the most recent post.
رسالة أقدم
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

Item Reviewed: حين نفهم أنفسنا… نهدأ Rating: 5 Reviewed By: FATMAHSA